Sunday, 11 December 2011

ولسه كريم حيران


يحس  كريم بقلبه محلقا وهو يستمتع ويشارك في التكبير الذي يسبق ويتلو صلاة العيد. حين يصطحب ابنه معه الي جامع الكمباوند الراقي الذي يقطنونه يسترجع دوما ايام تمشيته مع والده سعادة السفير جواد فارس في شارع حسن صبري بالزمالك وهم متوجهين لاداء صلاة العيد حينما كانوا يلزمون القاهرة مابين بعثة دبلوماسية لابيه والتي تليها. عيد الاضحي دوما كان الاقرب لقلب كريم بما فيه من عادات ثابتة تبدأ باداء الصلاة ثم الذبح ومن بعده الافطار المتأخر في بيت العائلة. تغيرت بعض العادات بمرور السنين، فاستمرت الصلاة واستبدل الذبح بدفع مبلغ من المال قيمة للضحية في احدي الجمعيات الخيرية النشطة ولم تعد مائدة الافطار تجمعه مع إخوته منذ فارقت امه عالمنا. 
في طريق عودته الي المنزل فرق كريم ومثله معظم جيرانه عدة رزم من فئة العشرون جنيها علي عمال الزراعة والامن والصيانة الذين يشاركون علية القوم حياتهم في هذا المكان شديد الترف الذي يمكن ان يحتل مكانه دون عناء في ضواحي اجمل مدن اوروبا. حين وصل البيت اتجه الي الحديقة منتظرا الافطار متجاذبا اطراف الحديث مع زوجته وكعادتهما المتكررة كل عيد اضحي لم ينسيا ان يمدحا كيف يسرت لهما الجمعية الخيرية رغبتهما في التصدق وعمل الخير  دون مجهود يذكر ورفعت عن كاهليهما متاعب الذبح وما يتبعه من صداع تنظيف وتوزيع وجهد مضني اصبحا في غني عنه؛ فالان وما ان ينتهيا من افطارهما سيأخذون طريقهما في سيارة الرحلات مع الاولاد الي العين السخنة ليتمتعا بشمسها الشتوية الجميلة في بيتهما الجديد هناك؛ الامر الذي بالتأكيد كان سيتأجل لليوم التالي ان كانا يذبحان بمفردهما وبمعرفتهما.
علي اطراف ضاحية كريم الارستقراطية كان عبد الرحمن قد انهي لتوه ايضا صلاة العيد. هو شاب في بداية الثلاثينات متوسط البنيان وجهه صبوح تزينه لحية مازالت في طور النمو فلم تصبح السمة الغالبة بعد في تقاطيع وجهه الذي تزين جبهته علامة صلاة خفيفة مازالت تتشقق. اسرع خطواته بجلبابه الابيض الجديد الذي قصرته له امه كطلبه ليظهر من تحته بنطاله الابيض الناصع نصوع الصباح؛ فاليوم عيد الاضحي والتكليفات كثيرة من الجماعة. عليه التوجه  الي مقر الجمعية الخيرية ليأخذ لحوم الذبائح الموضوعة في اكياس ليقوم بتوزيعها علي عائلات المنطقة كالعادة السنوية. لم يكن ايا من كريم في قصره او عبد الرحمن في هرولته صوب الجمعية يعلمان ان توزيع لحم أضاحي كريم و اصدقائه سيكون من مسئوليات عبد الرحمن في هذا اليوم المفترج.
يوم طويل مضني ولكنه احد هذه الايام التي لا يصيب فيها عبد الرحمن كلل او ملل بل يمتلئ فقط بسعادة ما بعدها سعادة وهو يوزع اللحم علي البيوت فيري ارتياح في وجوه من انتظروا الهبة وتلهف من افتقدوا وتاقوا الي طعم اللحم منذ عيدهم الذي سبق. اجمل لحظات عبد الرحمن تكون اثناء رجوعه الي منزله بعد ان ينتهي من توصيل الاكياس الي مستحقيها ورائحة الدهن والسلق تخرج من النوافذ لتزكم الانوف. مازال معه كيس او كيسين من اللحوم لم يوزعهما لعلهم من العجل الذي تبرع به كريم في هذا العيد. قبل ان يخرج من الحارة يلحظ علي ناصيتها رجل جالس امام منزله فيتجه عبد الرحمن صوبه وهو يمد يده بكيس لحم قائلا:
“كل سنة وانت طيب يا حاج؛ ان شاء الله السنة القادمة ربنا يكتب لك الوقوف في عرفات”
الابتسامة المزدوجة كست وجه عم رضوان وهو يتقبل الكيس الذي قدمه له عبد الرحمن؛ نصفها اواكثر كان من اثر كيس اللحم الذي بيده وهو الذي كاد ان ينسي طعمه هو واولاده وآني له بقدرة علي شراءه وان اشتاق او اراد ، اما باقي الابتسامة فكانت من عذوبة دعاء وبشارة عبد الرحمن له بالحج في عامه المقبل.
كريم وعبد الرحمن والعم رضوان سعدوا جميعا بعيدهم كل بما حباه به الله؛ احدهم تبرع من مال رزقه به ربه ليقوم آخر بتوزيعه ليصل في النهاية لرجل يستحقه ويسأهله بصبره ودوام حمده لرب العباد.
اقل من شهر وجاء وقت الانتخابات؛ ونزل عم رضوان بعد ان صلي الفجر متوجها الي لجنته الانتخابية. لم يكن يدري من سينتخب ولم يكن يعنيه الامر في شئ الا في رغبته تفادي الغرامة التي تواطر الي مسامعه انهم سيفرضونها علي من لن ينتخب. العجوز المكير كان قد قرر ان يذهب مبكرا ليوقع في الكشوف ثم لن يهمه ان افسد صوته؛ فقط لا يريد ان يغرموه فيثقلوا كاهله بما لاسبيل لسداده. وقف عم رضوان في الطابور الطويل امام اللجنة منتظرا دوره فلم يلبث ان مد له شابا يده بورقة عليها صورة رجل انيق واضحة عليه علامات النعمة وانه ابن ذوات كما كان عم رضوان يسمي امثاله. علي الورقة بجانب الصورة الجذابة قرأ: 
“انتخبوا كريم  جواد فارس المتعلم في احسن جامعات العالم والذي يريد ان يشترك بعلمه في بناء نهضة مصر”
مازال رضوان ينظر للصورة حتي اطمئن لصاحبها الذي بدا انه من البهوات وانه ذو مفهومية ففكر العجوز انه لا ضرر ان ينتخبه بدلا من ان يفسد صوته. ولكنه مالبث ان وجد شابا اخر يتقدم اليه وهو يمد يده اليه بورقة  اقل اناقة بكثير من سابقتها ، عليها صورة رجل آخر ،اكثر شبابا من ابن الذوات ،وجهه صبوح وله لحية مازالت في طور الاستحياء. نظر رضوان في الصورة مليا قبل ان يتعرف ذهنه علي صاحبها: 
“هذا هو الشاب الذي اعطاني اللحم ودعا لي ان احج”
لم يعد للقصة بقية فقد اعطي رضوان وغلابة المنطقة اصواتهم لعبد الرحمن الذي وزع عليهم الذبائح دون ان يعرفوا انهم بهذا اسقطوا  كريم وامثاله ورفقاءه ممن يدفعون ثمن العجول.

بجهده وعرقه وقربه من الغلبان
وبايده اللي اتمدت لعم رضوان
نجح بسهولة الاخ عبد الرحمن
وكريم في جنينته فضل حيران
ازاي  كل اللي صرفه من زمان
ما وصلوش لكرسي في البرلمان

1 comment:

  1. إذا أكرمت الكريم ملكته و إذا أكرمت اللئيم تمرد
    و القصة تدل على أن رضوان وغلابة المنطقة كرماء

    ReplyDelete