Sunday, 5 June 2011

اخر يوم " - في ذكري خالد سعيد"



مازلت اتصفح الفيسبوك علي الكمبيوتر بعد ان شربت قهوتي في مقعدي المعتاد بالانترنت كافيه؛ حين شعرت بأن احدا حولي ينظر الي او يراقبني. رفعت رأسي لاجد شخصين اشعثين متجهين نحوي. كانت ملامحهما تدلان علي انهما ليسا من زبائن المكان ولم اتحير طويلا كي ادرك انهما مخبران شرطة؛ في سري قرأت الفاتحة ودعوت ان تمر الامور علي خير. حين انتهت رحلتهما بالوقوف فوق رأسي عاجلني احدهما قائلا: "قوم يا روح امك". لم تعجبني لهجته ولا قوله فقلت له الا يدخل امي في الموضوع وانا اسألهما لما اقوم. رد أحدهما بمزيد من التبجح:" علشان نفتشك يا ابن ال...." . صوته القبيح كان قد لفت نظر كل الحاضرين الذين التفتوا الي حيث اجلس مراقبين تطور الموقف بيني وبين  الغوريلاتين المتنكرتين في صور بني آدمين والواقفين امامي. اعترضت مرة اخري علي سبابه وتحديتهما برفضي الوقوف لهما. لم تكن خطوتهما التالية كلاما اذ مدا ايديهما في آن ولحظة واحدة ليجذباني من قميصي عند مؤخرة رقبتي لأجد نفسي مشدودا قصرا و بعنف نحو الباب. اثناء الرحلة القصيرة من مقعدي الي باب الكافيه عاجلاني بصفعة او اثنتين وكأنهما يبطلان مقاومتي و مع الصفعات تزامن وابل من القدح واقذع الالفاظ؛ لم ادري لما لم يسارع احد من الجالسين لنصرتي: اهي المفاجأة ام ان صوت الصفعات جعلهم يؤثرون السلامة؟ 
حين خرجنا من الباب دلفوا بي الي مدخل العمارة المجاورة، لم يعد هناك مجال لاعترض علي شتائمهم المقذعة وسبابهم المتوالي فقد فاقه الضرب المبرح الذي بدأوا يناولنني اياه في تناغم وشره حيواني، صفعة تلو الصفعة وضربة مؤلمة تلو الاخري. لم استطع ان اقرر ان كان الالم الجسدي اشد ام ان الاهانة المعنوية هي التي كانت تعتصرني، بدأت قواي تخور فلم اعد قادرا حتي علي رفع يدي لادرأ ما يكيلونه لي من ضربات؛ اختلطت بداخلي اصوات صفعاتهم علي وجهي وجسدي مع تأوهاتي التي لم اعد ادري ان كانت بداخلي فقط ام ان غيري يسمعها. في لحظة ازداد فيها حنقهما امسكا برأسي واندفعا بي نحو باب العمارة الحديدي: آه...آهههه... آه. اي الم؟
 احسست بدمائي تغطي وجهي وحلقومي يبتلع لساني ومن بعده اسناني التي تكسرت.يبدو ان الوحشين اعجبهما اثر ارتطام وجهي بالحديد فآخذا يكرران خبط رأسي مرة تلو الاخري ثم من جديد ثم الي مزيد مرارا وتكرارا دون آدمية ولا احساس ممن لا مشاعر لديهم او ممن ماتت انسانيتهم من امد بعيد. لم اعد احس وجعا وكأنما الالم قرر ان يرحمني فبدأ يخدرني؛ لاول مرة ادرك ان قمة الالم ماهي الا توقف الاحساس به؛كم انت رحيم يارب. احسست بهم يجران جسدي علي الرصيف؛ الطعم في فمي خليط من الدم والاسفلت وكثير من المرارة؛ والسؤال في ذهني مازال: لماذا؟ اظن انهم ادخلوني سيارة ثم مالبثوا ان اخرجوني منه، لم اعرف اين ذهبنا ولكنهم بدأوا من جديد في الضرب دون تمييز ودون رحمة. لا ادري ان ادركوا اني قد فقدت كثير من الاحساس وان انفاسي قد بدأت تنسحب رويدا رويدا من جسدي. لم اعد اشعر بشئ وتوارت آناتي خلف دوي  تكسر ضلوعي وعظامي واختلطت بداخلي آهاتي مع آهات كل جزيئ في جسدي وكأني وجسمي غدونا في حالة انفصال .حين تلقيت ضربتهم الاخيرة ادركت ان هذه آخر لحظاتي في هذه الدنيا التي وددت لو انني تمتعت بعيشها آمد اطول. انفاسي مازالت تتثاقل واحاسيسي تتواري وكأن قدرات الحس عندي في طريقها للانغلاق؛ لم تعد العين تري وكاد القلب عن النبض ان يتوقف،ظلام دامس احاطني وان رأيت في آخره خيط نور رفيع. فوجئت باحدهما يفتح فمي ويمد اصبعه الغليظ داخله تاركا شيئا في حلقي قبل ان يلموا اشلائي ويدخلونني في السيارة ليرموني من جديد امام المقهي الذي بدأت منه رحلة وداعي لدنياكم
 صارعت وانا ملقي علي الاسفلت في يأس محاولا التنفس ولكني لم املك سوي الحشرجة التي صاحبتها ارتعاشة
في كل جسدي لم البث ان رحت بعدها في سبات عميق تبعه سكون وراحة وسلام تملكونني ليحلوا مكان الالم
 


انا اسمي خالد سعيد وهكذا قتلت.. تذكروني ولا تجعلوا ام اخري يفطر قلبها او تتحسر  لأن ابنها مات موتتي

1 comment:

  1. God bless you for reminding us of those great sons who sacrificed for us in such a pure 'salmeya' manner.Wish their names are engraved in our memories so we can stop silly fights and arguments and insist on fulfilling the dream they died for.

    ReplyDelete